روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | وجاءت.. فرحة العيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > وجاءت.. فرحة العيد


  وجاءت.. فرحة العيد
     عدد مرات المشاهدة: 4414        عدد مرات الإرسال: 0

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}1، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}2، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}3  أما بعد:

فبمناسبة قدوم عيد الفطر المبارك لابد لنا من وقفات مع هذا العيد العظيم:


الوقفة الأولى: ماذا بعد رمضان؟

الوقفة الثانية: أحكام العيد وآدابه وسننه.


وأسأل الله - تعالى - أن ينفع بها، وأن يجعلها في موازين الحسنات، وأن تكون خالصة لوجهه، مقربة لمرضاته، نافعة لعباده، فما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان فيها من خطأ فمن نفسي والشيطان، واستغفر الله من ذلك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه.

الوقفة الأولى: ماذا بعد رمضان؟

لقد كان شهر رمضان ميداناً يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق فيه المتسابقون، ويحسن فيه المحسنون، تروضت فيه النفوس على الفضيلة، وتربت فيه على الكرامة، وترفعت عن الرذيلة، وتعالت عن الخطيئة، واكتسبت فيه كل هدى ورشاد، ومسكين ذاك الذي أدرك هذا الشهر ولم يظفر من مغانمه بشيء، ما حجبه إلا الإهمال والكسل، والتسويف وطول الأمل.

ترحل شهر الصبر والهفاه وانصرما            واختص بالفوز في الجنات من خدما

وأصبح الغافل المسكين منكسـراً            مثلي فيا ويحـه يا عظـم ما حـرما

من فاته الزرع في وقت البذار فما            تراه يحصد إلا الهــم والنــدما

وإن الأدهى من ذلك والأمرَّ أن يوفق بعض العباد لعمل الطاعات، والتزود من الخيرات؛ حتى إذا انتهى الموسم نقضوا ما أبرموا، وعلى أعقابهم نكصوا، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وذلك والله خطأ فادح بكل المقاييس، وجناية مخزية بكل المعايير، لا ينفع معها ندم ولا اعتذار عند الوقوف بين يدي الواحد القهار.

قيل لبشر الحافي - رحمه الله -: إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: "بئس القوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها"، وسئل الشلبي - رحمه الله -: أيما أفضل رجب أو شعبان؟ فقال : "كن ربانياً ولا تكن شعبانياً، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عمله ديمة"، وسئلت عائشة - رضي الله عنها -: هل كان يخص يوماً من الأيام؟

فقالت :"لا، كان عمله ديمة"، وقالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"، ولذا فإننا ندعو هؤلاء بكل شفقة وإخلاص، ندعوهم والألم يعتصر قلوبنا خوفاً عليهم، ورأفة بهم، ندعوهم إلى إعادة النظر في واقعهم، ومجريات حياتهم، ندعوهم إلى مراجعة أنفسهم.

وتأمل أوضاعهم قبل فوات الأوان، إننا ننصحهم بألا تخدعهم المظاهر، ولا يغرهم ما هم فيه من الصحة والعافية، والشباب والقوة، فما هي إلا سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، أو كبرق خلب سرعان ما يتلاشى وينطفي ويزول، فالصحة سيعقبها السقم، والشباب يلاحقه الهرم، والقوة آيلة إلى الضعف، فاستيقظ يا هذا من غفلتك، وتنبه من نومتك، فالحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت.

ليعلم أولئك أن استدامة العبد على النهج المستقيم، والمداومة على الطاعة؛ من أعظم البراهين على القبول قال - تعالى -: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}4، فيجب أن تستمر النفوس على نهج الهدى والرشاد كما كانت في رمضان، فإن نهج الهدى لا يتحدد بزمان، وعبادة الرب وطاعته يجب أن لا تكون قاصرة على رمضان.

قال الحسن البصري - رحمه الله -: "إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ثم قرأ:{واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}"5، فإن انقضى رمضان فبين أيديكم مواسم تتكرر؛ فالصلوات الخمس من أجلِّ الأعمال.

وأول ما يحاسب عليها العبد، يقف فيها العبد بين يدي ربه مخبتاً متضرعاً، ولئن انتهى صيام رمضان فهناك صيام النوافل كالست من شوال، والاثنين والخميس، والأيام البيض، وعاشوراء وعرفة وغيرها.

ولئن انتهى قيام رمضان فقيام الليل مشروع في كل ليلة: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}6، ولئن انتهت صدقة أو زكاة الفطر فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوع والجهاد كثيرة، ولتعلم يا أخي المسلم أن من صفات عباد الله المداومة على الأعمال الصالحة {الذين هم على صلاتهم دائمون}7، و{والذين هم على صلواتهم يحافظون}8، وكأني بك قد تاقت نفسك لتعرف سبيل النجاة في كيفية المداومة على العمل الصالح؟ فأقول لك بلسان المشفق الناصح الأمين:

-   لابد أولاً من العزيمة الصادقة على لزوم العمل والمداومة عليه أياً كانت الظروف والأحوال، وهذا يتطلب منك ترك العجز والكسل، ولذا كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من العجز والكسل لعظيم الضرر المترتب عليهما، فاستعن بالله - تعالى - ولا تعجز.

-   ثانياً: القصد القصد في الأعمال، ولا تحمل نفسك ما لا تطيق، ولذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا))9، ولتعلم يا أخي أن البركة في المداومة، فمن حافظ على قراءة جزء من القران كل يوم؛ ختمه في شهر، ومن صام ثلاثة أيام في كل شهر فكأنه صام الدهر كله، ومن حافظ على ثنتي عشرة ركعة في كل يوم وليلة بنى الله له بيتاً في الجنة... وهكذا بقية الأعمال.

-   ثالثاً: عليك أن تتذكر أنه لا يحسن بمن داوم على عمل صالح أن يتركه: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل))10.

-   رابعاً: استحضر يا رعاك الله ما كان عليه أسلافنا الأوائل: فهذا حبيبك محمد - صلى الله عليه وسلم - تخبرنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنه كان إذا نام من الليل أو مرض صلى في النهار اثنتي عشرة ركعة11، وترك - صلى الله عليه وسلم - اعتكافه ذات مرة فقضاه - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال عند صلاة الفجر: ((يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة))12

قال: "ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي"، وأعجب من ذلك ما فعله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بوصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم – له، فعنه رضي الله عنه "أن فاطمة -رضي الله عنه- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- تسأله خادماً، فقال: ((ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين الله أربعاً وثلاثين)) قال علي بن أبي طالب: فما تركتها بعد، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال:ولا ليلة صفين"13.

إنك إذا تصورت مثل هذا الخبر فإنه سيتمالكك العجب من الحرص على المداومة على العمل حتى في حال القتال، وتطاير الرؤوس، وذهاب المهج، وسفك الدماء، كل ذلك لا ينسيه وصية نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن يقول ما أمر أن يقوله عند النوم.

إن معرفة مثل هذه الأخبار تدفعك إلى المداومة على العمل الصالح، ومحاولة الاقتداء بنهج السلف الصالح، والسير على منوالهم.

الوقفة الثانية: أحكام العيد:

العيد هو موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إنما هو بمولاهم إذا فازوا بإكمال طاعته، وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته كما قال - تعالى-: {قل بفضل الله ورحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}14 قال بعض العارفين: ما فرح أحد بغير الله إلا لغفلته عن الله، فالغافل يفرح بلهوه وهواه، والعاقل يفرح بربه ومولاه.

أخي المسلم: هذه وقفات موجزة مختصرة عن أحكام العيد وآدابه:

أولاً: حمد الله - تعالى - أن أتم عليك النعمة بصيام هذا الشهر وقيامه، والإكثار من الدعاء بأن يتقبل الله منك الصيام والقيام، وأن يغفر لك زللك وإجرامك، فقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه"، وعن ابن مسعود أنه كان يقول: "من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك".

ثانياً: الفرح بالعيد: فقد روت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فاقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((دعهما))، فلما غفل غمزتهما فخرجت15، وفي رواية لمسلم: "تغنيان بدف"، وقد استنبط بعض أهل العلم من هذا الحديث مشروعية التوسعة على العيال في أيام العيد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، ومنه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين.

ثالثاً: التكبير: ويشرع التكبير من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد قال - تعالى -: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}16، ويستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في الأسواق، والدور، والطرق، والمساجد، وأماكن تجمع الناس؛ إظهاراً لهذه الشعيرة، وأحياءً لها، واقتداء بسلف هذه الأمة، وصفة التكبير: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد"، ويربى النشء على هذا ويعلمون سببه.

رابعاً: زكاة الفطر: شرع الله - تعالى - عقب إكمال الصيام زكاة الفطر، وفرضت طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، ومقدارها صاع من طعام من غالب قوت البلد كالأرز والبر والتمر عن كل مسلم لحديث ابن عمر قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين"17.

ويسن إخراجها عن الجنين لفعل عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، والأولى عدم إخراجها نقوداً على القول الصحيح من أقوال أهل العلم لأن ذلك مخالف لأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ويجب تحري الفقراء والمساكين لدفعها إليهم، أما عن وقت إخراجها الفاضل يوم العيد فهو قبل الصلاة، ويجوز تقديمها قبل ذلك بيوم أو يومين.

خامساً: الغسل والزينة: ويستحب للرجال الاغتسال والتطيب، ولبس أحسن الثياب للعيد؛ لما روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله ابتع هذه، تجمل بها للعيد والوفود ..." الحديث، وكان ابن عمر يلبس في العيد أحسن ثيابه.

سادساً: الأكل قبل صلاة العيد: يستحب قبل أن يخرج لصلاة عيد الفطر أن يأكل تمرات وتراً ثلاثاً، أو خمساً لما ثبت عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وفي رواية: "ويأكلهن وتراً"18.

سابعاً: التبكير في الخروج لصلاة العيد: يستحب التبكير لصلاة العيد لقول الله - تعالى -: {فاستبقوا الخيرات}19، والعيد من أعظم الخيرات، وقد بوب البخاري في صحيحه باب التبكير إلى العيد، ثم ذكر حديث البراء - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر فقال: ((إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ...))20 الحديث، قال الحافظ ابن حجر: "هو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها.

ومن لازمه أن لا يفعل شيء غيرها؛ فاقتضى ذلك التبكير إليها" والذي رجحه المحققون من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وغيره أن صلاة العيد واجبة، ولا تسقط إلا بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيَّض، وتعتزل الحيَّض المصلى لحديث أم عطية: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق وذوات الخدور، فأما الحيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين"21.

ثامناًَ: المشي إلى المصلى:

فعن عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى - كان يأتي العيد ماشياً"22، وقال بعض أهل العلم: "والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل ماشياً، قال ابن المنذر- رحمه الله -: "المشي إلى العيد أحسن وأقرب إلى التواضع، ولا شيء على من ركب".

تاسعاً: التهنئة بالعيد:

لا بأس بالتهنئة بالعيد كقول: "تقبل الله منا ومنك"، لما ورد عن جبير بن نفير قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك".

عاشراً: مخالفة الطريق:

لما روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق"، قال ابن القيم - رحمه الله -: "وكان - صلى الله عليه وسلم - يخرج ماشياً، وكان - صلى الله عليه وسلم - يخالف الطريق يوم العيد؛ فيذهب من طريق، ويرجع من آخر قيل: ليسلم على أهل الطريقين.

وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله، وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطواته ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل وهو الأصح: إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله منها".

الحادي عشر:

اجتماع العيد والجمعة في يوم واحد: إذا اجتمعا في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اجتمع في يومكم هذا عيدان؟

فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون))23، لكن ينبغي للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء، ومن لم يشهد العيد، وتجب على الصحيح من أقوال العلماء صلاة الظهر على من تخلف عن الجمعة لحضوره العيد، والأولى أن يصلي العيد والجمعة طلباً للفضيلة، وتحصيلاً لأجريهما.

الثاني عشر: مخالفات في أيام العيد:

وهناك بعض المخالفات يقع فيها بعض المسلمين في ليالي العيد وأيامه هذه بعضها:

1- التكبير الجماعي بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص يقول: "الله أكبر"، أو إحداث صيغ للتكبير غير مشروعة.

2- اعتقاد مشروعية إحياء ليلة العيد، ويتناقلون أحاديث لا تصح.

3- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر، والسلام على الأموات.

4- اختلاط النساء بالرجال في بعض المصليات والشوارع والمنتزهات.

5- بعض الناس يجتمعون في العيد على الغناء واللهو والعبث وهذا لا يجوز.

6- كثرة تبرج النساء، وعدم تحجبهن، وحري بالمسلمة المحافظة على شرفها وعفتها أن تحتشم وتستتر، لأن عزها وشرفها في دينها وعفتها.

7- خروج النساء لصلاة العيد متزينات متعطرات وهذا لا يجوز.

8- الإغراق في المباحات من لبس وأكل وشرب حتى تجاوزوا الأمر إلى الإسراف في ذلك قال - تعالى -: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}24.

9- البعض يظهر عليه الفرح بالعيد لأن شهر رمضان انتهى، وتخلص من العبادة فيه، وكأنها حمل ثقيل على ظهره، وهذا على خطر عظيم.

10- بعض الناس يتهاون في أداء صلاة العيد، ويحرم نفسه الأجر، فلا يشهد الصلاة، ودعاء المسلمين وقد يكون المانع من حضوره سهره الطويل.

11- بعض الناس أصبح يحي ليالي العيد وأيامه بأذية المسلمين في أعراضهم، فتجده يتابع عورات المسلمين، ويصطاد في الماء العكر، وسيلته في ذلك سماعة الهاتف، أو الأسواق التي أصبحت تعج بالنساء وهن في كامل زينتهن، فتنهدم بيوت عامرة، وتتشتت أسر مجتمعه، وتنقلب الحياة جحيماً لا يطاق بعد أن كانت آمنة مستقرة.

12- هناك من يجعل العيد فرصة له لمضاعفة كسبه الخبيث وذلك بالغش والخديعة، والكذب والاحتيال، وأكل أموال الناس بالباطل، وكأنه لا رقيب عليه ولا حسيب، فتجده لا يتورع عن بيع ما حرم الله من المأكل والمشروبات، والملهيات، ووسائل هدم البيوت والمجتمعات.

13- من الملاحظات التي تتكرر في مناسبات الأعياد وليالي رمضان عبث الأطفال والمراهقين بالألعاب النارية التي تؤذي المصلين، وتروع الآمنين، وكم جرَّت من مصائب وحوادث فهذا أصيب في عينه، وذاك في رأسه، والناس في غفلة من هذا الأمر.

وأخيراً قد قيل: من أراد معرفة أخلاق الأمة فليراقبها في أعيادها، إذ تنطلق فيه السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول والعادات على حقيقتها، والمجتمع السعيد الصالح هو الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة، وتمتد فيه مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى، حيث يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً تخفق فيه القلوب بالحب والود، والبر والصفاء.

أسأل الله - تعالى - أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الطاعات، وأعاد علينا وعلى أمة الإسلام هذا الشهر بالقبول والغفران، والصحة والسلام، والأمن والأمان، وعز الإسلام، وارتفاع راية الدين، ودحر أعداء الملة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

1 آل عمران (102).

2 النساء (1)

3 الأحزاب (70-71).

4 الحجر (99).

5 الحجر (99).

6 الذاريات (17).

7 المعارج (23).

8 المؤمنون (9).

9 رواه البخاري برقم (41).

10 رواه البخاري برقم (1084).

11 رواه مسلم برقم (1234).

12 رواه البخاري برقم (1081).

13 البخاري برقم (4943)، ومسلم برقم (4906).

14 يونس (58).

15 رواه البخاري برقم (897).

16 البقرة (185).

17 رواه مسلم برقم (1636).

18 رواه البخاري برقم (900).

19 المائدة (48).

20 رواه البخاري برقم (912).

21 رواه البخاري برقم (921).

22 رواه ابن ماجه برقم (1287)، وقال الألباني: حسن، انظر صحيح ابن ماجه(1/218).

23 رواه أبو داود برقم (907)، وقال الألباني: صحيح، انظر صحيح أبي داود (1/200).

24 الأعراف (31).

المصدر: موقع إمام المسجد